السبت، 4 ديسمبر 2010

دعوة لإلغاء الانتخابات . بقلم (فهمى هويدى)


هذه مسألة ينبغى أن نعيد النظر فيها بقدر من التجرد والشجاعة ذلك أننى لم أعد أر سببا وجيها ولا مصلحة وطنية فى إنفاق عشرات الملايين من الجنيهات وإشغال الناس والأمن والقضاء والإعلام بمسألة الانتخابات، كما يحدث هذه الأيام. فى حين أننا جميعا نعرف أنها محسومة سلفا لصالح الحزب الوطنى. وأنها لن تغير شيئا يذكر فيما هو قائم منذ ثلاثين عاما.

الغريب أننا نفعل ذلك دون كلل طوال العقود الثلاثة، دون أن ينتبه أحد إلى أننا ندور فى حلقة مفرغة، وأننا نأتى فى كل مرة بالحزب ذاته وربما بالنماذج ذاتها، لكى يفعلوا بنا ما يريدون، فى حين أن كل من هو من خارج الحزب يؤدى دور الكومبارس أو الديكور، وإذا كنت قد فهمت لماذا استمرأ الحزب الوطنى دور البطولة، فإننى لا أخفى شعورا بالعجز والحيرة فى تفسير السبب الذى يدعو الآخرين إلى الاستمرار فى دور الكومبارس أو الديكور.

عقلاء أولئك الذين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات بسبب تزويرها وانعدام فرص المنافسة فيها، سواء كانت انتخابات لمجلس الشورى أو الأمة أو الرئاسة. وليس صحيحا أن ذلك موقف سلبى يتعارض مع الديمقراطية. وقد يصح هذا النقد إذا كانت هناك ديمقراطية. أما إذا لم يكن الأمر كذلك. وكنا بصدد تمثيلية تتمسح فى الديمقراطية وتدعيها، فالمقاطعة تشكل موقفا احتجاجيا على أصل اللعبة وطعنا فى شرعيتها. لكن الأعقل من هؤلاء هم الذين يطالبون بإصدار قرار شجاع يقضى بإلغاء الانتخابات، على الأقل حتى يسترد المجتمع حريته، ويعيش فى ظل أجواء سياسية طبيعية.

حين كان الدكتور رفعت المحجوب رئيسا لمجلس الشعب فى الثمانينيات، قام بزيارة لمدينة دمياط وفى جلسة ببيت أحد أصدقائه صارحه بعض الجالسين بانتقاداتهم لتزوير الانتخابات، التى تفرض الحزب الوطنى وصيا على الشعب المصرى. ولأن الحضور كانوا من الخواص الذين سمعت القصة من أحدهم، فإنه تحدث إليهم بصراحة قائلا إن الانتخابات فى مصر تجرى لتحسين صورتها فى الخارج بالدرجة الأولى، وينبغى أن ينظر إليها من هذه الزاوية، حتى لا يبالغ البعض فى التعويل عليها. وهذا توصيف أعتبره دقيقا للغاية. لأنه حتى هذه اللحظة فإن الذين يديرون الانتخابات فى مصر لا يشغلهم منها سوى تحسين الصورة لدى العالم الغربى وإيهام المجتمع الدولى بأنها لم تتخل عن ركب الديمقراطية. ولا أخفى أن هذه النقطة شغلتنى حين فكرت فى الدعوة إلى إلغاء الانتخابات، لكننى حين قلبت الأمر، وجدت أننا لم ننجح فى توصيل الرسالة طوال العقود الثلاثة الماضية، حتى أصبح معلوما للجميع فى المحافل والمنظمات الدولية أن مصر من الدول التى يضرب بها المثل فى تغييب الديمقراطية. عندئذ وجدت أن الحجة أصبحت فى صالح اقتراحى. ذلك أنهم طالما لم يصدقوا ادعاءنا بأن لدينا انتخابات نزيهة. فلماذا لا نتحلى بالشجاعة ونقول إن تلك هى الحقيقة، وأننا قررنا أن ننفق اعتمادات الانتخابات والمبالغ المخصصة لمجلسى الشعب والشورى على مشروعات تنفع الناس؟

الطريف فى الأمر أن هذا الموضوع مثار أيضا فى الديمقراطيات الغربية الراسخة، ولكن لأسباب مختلفة تماما. أعنى أن هناك دعوة لإعادة النظر فى العملية الانتخابية، التى يرى البعض أنها لم تعد الأداة التى تمكن الشعب من اختيار ممثليه فى السلطة. ذلك أنه بعدما تدخلت الشركات والمؤسسات لفرض نفوذ أصحاب رءوس الأموال الضخمة على أهل السياسة، فإن صناعة الانتخابات ذهبت إلى ما هو أبعد، إذ ظهرت شركات ومؤسسات تجارية حديثة تخصصت فى هندسة الحملات الانتخابية بتحويلها إلى «مقاولات»، بمقتضاها تقدم للمرشح ما يحتاجه من بيانات وخدمات. فتعد له برنامجه، وتنظم جمع التبرعات وترتب الحملات الإذاعية والتليفزيونية، وتضع تحت تصرفه الوسائل التى تمكنه من تشويه منافسيه وهزيمتهم. بالتالى يكون نجاح المرشحين بمقدار ما يدفعونه لتلك الشركات من مصاريف. أبرز هذه الشركات فى الولايات المتحدة تحمل اسماء مثل «ساتشى آند ساتشى» و«جيوفوتر» و«كامبين كونيكشن» و«كامبين أوفيس دوت كوم» وغيرها.

إذا كبرت المسألة فى أدمغتهم وقرروا إلغاء الانتخابات والبحث عن وسيلة أنجع فى التعبير عن الناس، وإذا تشجعنا نحن من جانبنا وألغيناها لأسباب سابقة الذكر، فربما كانت تلك فرصتنا الوحيدة لكى نشترك فى شىء مع الدول الديمقراطية.


4 التعليقات:

مدونه ما كفايه بقى يقول...

فعلا والله موضوع هاااااااااااااااادف وفى الجون

عايزين مواضيع كتير زى دى

مدونه ما كفايه بقى يقول...

هو مش حضرتك لسه كاتب موضوع (قدره الله فى الارض.......)

مش بيفتح معايا ليه؟

شمس النهار يقول...

فهمي هويدي
اصبح من القلة التي تكتب في صمت بلا ضجه

كلام موزون حرفي اللغه

معارض معتدل

ولو كان الاحزاب قاطعوا الانتخابات كانت هتبقا فضيحه

غير معرف يقول...

موضوع حلو بس كبيررررررر اووووووووووي

إرسال تعليق